• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لماذا في البحرين؟

د. أماني القرم

لماذا في البحرين؟

منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات وتلميذ خائب في السياسة والاقتصاد والتاريخ يحاول أن يثبت لأستاذه أنّه الوحيد القادر على ابتكار حل لأكثر المشاكل عصياناً في العالم. ولأنّه خائب لا يملك إلّا الكلام أخرج من الأدراج مجموعة حلول مسبقة فاشلة لتطبيقها. ولأنّه خائب أيضاً اعتقد أنّ المشكلة لا تكمن في جوهرها بل في سياقها أي في الظروف التي تحيط بها، والحلول التي كانت فاشلة في الماضي ستنفع اليوم لأنّ السياقات تغيّرت. بهذه الرؤية خرج علينا «جاريد كوشنير» بفكرة عقد ورشة البحرين الاقتصادية على أساس أنّ التنمية  الاقتصادية للفلسطينييين من شأنها قيادة التوجه نحو تغيير سياسي. وهذا أمر ليس بجديد فقد كان «شمعون بيريس» الداهية قد أرسى هذا التصوّر في العام 1993 في كتابه «الشرق الأوسط الجديد». ولو كان بيريس حيّاً يرزق اليوم  لنصح كوشنير بأنّ السياق قد تغيّر فعلاً ولكن بصورة ضد الفكرة وليست معها .لأنّ تلك الأيّام التي حلم فيها بيريس بتنمية اقتصادية وشرق أوسط جديد كانت تحمل عملية سياسية فعّالة برضى جميع أطراف المشكلة والحل الاقتصادي جاء تدعيماً وتعزيزاً للحل السياسي وليس العكس. فكيف يمكن ضخ استثمارات مالية في بيئة سياسية متحركة غير آمنة؟؟ أي عقل هذا الذي يقلب العلاقات المنطقية فيأتي بالنتائج قبل المسبّبات. وبالمناسبة نتنياهو نفسه يعتنق رؤية الحل الاقتصادي ولكن مع الفارق أنّ نتنياهو لا يبحث عن حل بل يريد إدارة للصراع تمنحه الوقت لخلق واقع جديد، وتهيئ الأجواء لحالة دائمة من اللاسلم واللاحرب وهي الأجواء التي يعيش عليها ويستمر حكمه.

لكن ما يتبادر للذهن في خضم هذه الجعجعات (التي ستفشل حتماً) لماذا اختاروا البحرين وليس غيرها؟ هل لأنّ الدول الكبرى حينما تطرح رؤى لقضايا مستعصية تتجنّب الظهور وتختفي وراء الوكلاء الصغار، فالفشل له ثمن باهظ كما للنجاح؟ ربّما هذا هو أحد الأسباب. ولا شكّ أنّ هناك أسباباً جيوسياسية وجيهة لهذا الاختيار.

البحرين رغم أنّها أصغر دول الخليج والعرب مساحة وسكاناً، إلّا أنّ موقعها الجغرافي كجزيرة في الخليج العربي وتركيبتها الديموغرافية لهما دلالات سياسية بالغة الأهميّة، فهي تبعد عن إيران ثماني دقائق بالطائرة، و70% من سكانها هم من الشيعة وتقطن بها الجالية اليهودية الوحيدة في الخليج. وتمثّل للسعودية عمقاً إستراتيجياً ومجالاً حيوياً يضعها ضمن الدائرة الأمنية الأُولى. ولولا السعودية لما صمد حكم آل خليفة في العام 2011. أمّا بالنسبة لواشنطن فهي تقع في قلب المصالح الأمريكية في المنطقة لأنّ بها مقر قاعدة الأسطول الأمريكي الخامس منذ العام 1948 ويتمركز فيها حوالي 8000 جندي أمريكي. وتصنف بأنّها حليف للولايات المتحدة من غير الناتو حيث أنّ الدول التي تحمل هذا التصنيف تتمتع بمميزات خاصّة في عملية شراء الأسلحة الأمريكية. وتدعم البحرين جميع السياسات الأمريكية في المنطقة، وخطّها السياسي يتبع السعودية جملة وتفصيلاً.

ومنذ العام 2009 تظهر البحرين ميلاً انفتاحياً واضحاً على إسرائيل وتدعو على لسان حكامها ومسؤوليها إلى حوارات مباشرة وإلى إنهاء المقاطعة العربية مع إسرائيل، وزادت سرعة وتيرة هذا التطبيع خلال العامين الأخيرين تزامناً مع إعلانات ترامب المتلاحقة حول القدس والقرن وصفقته!

وعليه، ما بين إيران والسعودية فإنّ اختيار البحرين كدولة خليجية ثرية لها هذا التوجه النشط وهذا الخطّ السياسي من شأنه أن يمثّل مركز جذب وإقناع للحاضرين لورشة الأمريكان الاقتصادية، وفي نفس الوقت رسالة للدولة الإيرانية!

على العموم، دائماً ما يخدع الصمت، فحين تنقلب الطاولة فجأة لا يبقى من الخائبين سوى ذكراهم التعيسة  في سجلات التاريخ، وأيّة حلول لمعادلة أحد طرفيها غائب هي مهمّة الحمقى. 

ارسال التعليق

Top